إذن نقترب من انتهاء الأيام العشرة الاولى من رمضان، لم تحدث الكثير من المعجزات التي كانت متوقعة، دون أن نذكر معجزة اختفاء الاطعمة وقت المغرب بسرعة خيالية. الكثير من المسلمين هنا في بريطانيا، يعتقد أن اجر الصيام يزداد بالمزيد من المشقة والتعب، لذا تجد الكثير من كبار السن والمرضى من لا يستطيع البقاء دون سوائل في نهار الصيف الطويل، يصوم الشهر دون النظر إلى المضاعفات الجانبية التي قد يسببها الصيام لهم، وعندما تسألهم لما يقومون بذلك، يقولون “أن كل شيء باجره”، بل إنني أعرف بعض المرضى في المستشفى من يؤجل عمليته الجراحية أو علاج السرطان الكيمياوي لما بعد الشهر “المعجزة”، حتى لا يخسر “اجر” الصيام بحسب اعتقادهم.
*

تزورني الحقيقة بين الحين والآخر ولكنها لا تصل إلى اليقين ابداً.
*

لست من متابعي البرامج والمسلسلات الرمضانية الموسمية التي تفيض بها القنوات الفضائية العربية، والسبب يعود إلى أنني ولسنوات عديدة في بريطانيا، لم أسعى للحصول على خدمة استقبال أي من هذه الفضائيات. إلا أنني مؤخراً اصبحت غير قادر على متابعة أي فضائية عربية مهما كان نوعها أو لونها أو تخصصها، فجميعها وليدة حالة أعلامية عربية هلامية غير ناضجة، كما أن معظمها لم يقدم حتى هذه اللحظة وسائل للقضاء على الجهل والتخلف والقمع المستفحل في المنطقة، بل إن منها من ساهم وبقوة في ترسيخ المزيد من التخلف الاجتماعي والابقاء على حالة الركود السياسي الراهنة. بالنسبة لي لا شيء يعادل مشروع عملاق مثل هيئة الاذاعة البريطانية، البي بي سي BBC، إعلام مسؤول غير مملوك للدولة أو أي جهة خاصة، ويملكه كافة افراد الشعب بطريقة مباشرة، وحتى يتوفر مثل هذا المشروع الاعلامي والثقافي والترفيهي على المستوى العربي، ساظل كافراً باسطورة تسمى الاعلام العربي الحر.
*

علمونا أن الاعتراف بالخطأ فضيلة ولكن هناك من يريد ان يعلمنا أن المكابرة والعناد على الخطأ اكبر فضيلة.. مزيداً من الجهل.
*

فكرة التطهير الروحي بالتعذيب الجسدي، احد الافكار اللاهوتية القديمة، ولا تقتصر على الاديان الرئيسية الثلاث، فحتى الديانات التي توصف “بالبدائية”، ترى أن احد الطرق التي تسمو بها الروح وتتطهر من الذنوب التي تشوبها، تكون بتعذيب أو ترويض الجسد، وقمع الغرائز الاساسية التي يطلبها دائماً، وتتعدد مظاهر هذا التعذيب أو الترويض من البسيط وحتى المعقد والمهلك في بعض الاحيان. ولعل الصيام هو أحد هذه الطرق التي تستهدف ترويض الجسد وتعذيبه بالامتناع عن الاكل والشرب والجنس لعدة ساعات، قد تصل إلى العشرين في بعض المناطق وبعض السنوات، ويتحصل بذلك الصائم على أجر روحاني مقابل هذا التعذيب الجسدي.
*

الصحفي الذي لا يراجع مصادره ويسعى لفحص المعلومات التي ترده من هذه المصادر، يساهم في ترويج الاكاذيب والمغالطات.
*

حدثني صديقي البريطاني ذو الاصول الهندية، أنه ينحدر من أسرة تتبع الديانة الجاينية، وهي أحد الديانات الاسيوية المنتشرة في الهند تحديداً. ويعتبر الصيام أحد الطقوس التي يمارسها اتباع هذا الدين، رغبة منهم للوصول إلى حالة النيرفانا، أو التوحد مع السر الالهي في الكون، واخبرني أن هناك عدة  انواع من الصيام لديهم، فهناك من يصوم بعض اليوم عن الطعام والشراب، وهناك من يصوم اربعة وعشرين ساعة عن الطعام فقط ويسمح له بشرب الماء، وهناك من يصوم ثمانية ايام متتالية بدون طعام اوشراب بشكل متواصل، ولكنه اخبرني أن هناك نوع أخير لديهم، ويقوم به كبار السن وبعض المتدينين، وهو الامتناع عن الطعام والشراب بشكل كامل حتى الموت، وهو بتعبير آخر تقديم الجسد كقربان بممارسة الانتحار البطئ، وعلى الرغم من ذلك فهم لا يعدونه انتحاراً، بل هو وسيلة للتطهير الجسدي الكامل بالقضاء على كل الرغبات والشهوات.
*

طوبى للجبناء فإنهم سيرثون الأرض والسماء..