اخيراً وبعد سنوات طويلة من الغموض القانوني، أقرت ليبيا قانوناً جديداً ينظم الجنسية الليبية وطريقة اكتسابها أو الحصول عليها. والخطوة التي اعتبرها ايجابية في الكثير من نواحيها، وإن شابها بعض السلبيات، تعد تطوراً هاماً في سبيل تحقيق دولة المواطنة. فالمطلع على مواد قانون الجنسية الليبية الجديد، سيجد الكثير من التغيرات التي تعتبر متقدمة بالمقارنة مع الواقع السابق، منذ تأسيس الدولة الليبية الحديثة العام 1951، أو بالمقارنة من دول عربية أخرى ما تزال تعاني من مشاكل اجتماعية وقانونية بسبب عدم وضوح تشريعات التجنس لديها.

القانون الجديد حدد تاريخ اصدار الدستور الليبي في اكتوبر من العام 1951، تاريخاً فاصلاً لإثبات احقية الحصول على الجنسية الليبية بالولادة أو بالاصل، إلا أنه كذلك وهو الأهم يحدد طرق أخرى لاكتساب الجنسية الليبية وهي الأهم في وجهة نظري، من بينها وهو الأهم، جواز “منح أولاد المواطنات الليبيات المتزوجات من غير الليبيين” أو “كل من ولد في ليبيا لأم ليبية وأب مجھول الجنسية أو لا جنسية له، أو كان مجھول الأبوين”، الحصول على الجنسية الليبية ومن ثم المساواة أمام القانون في الحقوق والواجبات، وهو ما أدى في سنوات ماضية للعديد من الصعوبات الحياتية لهذه الفئة من المجتمع.

كما سمح القانون “للاجنبية المتزوجة من مواطن ليبي” باكتساب الجنسية الليبية، في حال اثبات “استمرار الزواج لمدة لا تقل عن السنتين”، كما اجاز القانون منح الجنسية الليبية “لأرامل ومطلقات المواطنين الليبيين”، ولكن الاضافة الاهم كذلك، “جواز اكتساب الجنسية الليبية للفرد المقيم في ليبيا اقامة شرعية لمدة عشر سنوات” أو اكثر، وحدد القانون بعض الشروط لضمان الحصول على الجنسية الليبية بالاقامة، من بينها حسن السيرة والسلوك وأن لا يتجاوز عمر طالب الجنسية عن خمسين عاماً.

قانون الجنسية الجديد، وإن كان ما يزال يحتاج إلى بعض التعديل لكي يتوافق بشكل متكامل مع حقوق المواطنة الدولية، إلى جانب اضافة لوائح تفصيلية لبيان آليه ضبط وتطبيق مواد وبنود القانون، يعد مستنداً مهماً لضمان حقوق الأفراد الذين يعيشون في هذا الكيان السياسي الليبي الحديث، كما أنه يمنح العديد من المواطنين الذين لا يحملون الجنسية الليبية لأسباب اجتماعية عديدة، فرصة الحصول على هذه الجنسية بغض النظر عن اهميتها من عدمه.

إلا أنه يخالجني شعور بأن العديد من دعاة النقاء العرقي الليبي المزعوم، سيخرجوا علينا مطالبين بإلغاء هذا القانون أو بعرضه للنقاش مجدداً بحجة حماية الهوية الليبية الوطنية من الاجانب والغرباء، بدعوى انه لن يكون للمتجنسين، أي انتماء للوطن وبالتالي سيتسببون في المزيد من الفساد والدمار، بل إن البعض، ومن خلال عدد من التعليقات التي وردت حول قانون الجنسية الجديد، استعان بخياله الاضطهادي لنسج نظرية مؤامرة جديدة تفترض بأن هذا القانون فصل لكي يسمح لليهود الليبيين، ولم لا الايطاليين كذلك، بحق استعادة جنسيتهم الليبية أو اكتساب ابنائهم المولودين خارج البلاد، الجنسية الليبية، وهو ادعاء اراه يلعب على مساحة الخوف الوراثية عند الليبي، والتي ما تزال تنظر بعين الريبة والحذر لكل من هوغريب، أو اجنبي دخيل، وهي حالة ليبية تعكس التركيبة القبلية الانعزالية “للمجتمع الليبي”.

إن صدور مثل هذا القانون سيمنح فرصة لليبيا لكسر حالة العزلة الثقافية التي تعيشها من جهة كما انها ستوفر فرصة للعديدين ممن يقيمون فيها، الذين يشتركون معنا في الهوية الثقافية، أو الليبيين الذين تباعدت بهم السبل خارج “الوطن”، لبناء حياة مستقرة ومثمرة في داخل البلاد، وهو ما سيساهم في اثراء التعددية الثقافية وقيم التسامح والمواطنة.

إلا هذا القانون برغم من ايجابياته يبقى ناقصاً في ظل سياسة عدم المساواة والظلم الاجتماعي والسياسي في ليبيا، والذي طال غالبية الليبيين لعقود عديدة، واصبحت مرتعاً خصباً لتنامي مشاعر الخوف من الاجنبي ودعاوى النقاء الوطني، والعنصرية الوطنية العمياء، والعنف الرمزي والجسدي في بعض الأحيان، والذي قد يتفهم وإن على مضض. كما أنه لا يكفي صدور قانون يدعي تحقيق المساواة والتقدمية بشكل نظري، دون أن تستتبع ذلك خطوات عملية لتطبيق هذه المساواة للجميع، وإلا سيبقى هذا القانون مثل غيره من القوانين التي تزعم تطور البلاد على المستوى التشريعي ولكنها لا تساوي حتى تكلفة الطابعة التي سحبت عليها.

هذه خطوة ايجابية، تتطلب المزيد من التطوير في المستقبل، من اجل الوصول إلى دولة المواطنة الحديثة في ليبيا، والتي يتساوى فيها الجميع أمام القانون في الحقوق والواجبات.
_________

* للاطلاع على نسخة من قانون الجنسية الليبية الجديد اضغط هنـــــــــــا.