إلى جوزيه ساراماغو
حسناً، لنفترض أنني كنت في ذلك اليوم اركب القطار المتجه إلى شرق المدينة، ولنفترض كذلك أنني نسيت المحطة التي يجب علي أن انزل بها، كما لنفترض أخيراً أنني كنت بصحبة تلك الفتاة التي أراها لأول مرة ولا اعرف اسمها. فرضيات محيرة وممعنة في الخيال الممل، ولكنها حقيقية، ولكن افضل أن اتركها في خانة الفرضيات التي تقبل الاثبات أو النفي، اعتماداً على ما يتوفر من معطيات… تباً لك هل عدت إلى هذه الجدليات اللعينة، لما لا تتركنا في حالنا، نعيش كما نشأ ونجوب هذه الارض الخيالية كما نشأ، قد تكون أنت من خلقتني، ولكنك خالق فاشل، بل إنك تكرر الفشل في كل مرة ولا تتعلم من اخطائك، حتى أنا الكائن الخيالي الذي اردته أن يكون جزءً من هذه الحكاية، مللت من هذه الدورة من الفشل والفشل والفشل المتكرر. اعترف أنني احياناً اعجبت بما تقوم به وبما تسوقه من احداث وخاصة عندما يتطلب الامر أن اكون في مكان لم يستطع خيالي المصطنع والمحدود، الالمام به، ولكنني سرعان ما ألعنك واشتمك ألف مرة على تركك باقي الحكاية معلقاً بلا نهاية، بل بلا بداية احياناً، وكأنك تستمتع بتعذيبي. صحيح أنك خلقتني من العدم وجعلتني في صورتك المترهلة والفجة في كثير من الاحيان، ولكنك لا تستطيع السيطرة على مشاعري وافعالي، التي تدور في خيالي الساكن في ثنايا خيالك. هل تعلم أنك عندما قتلتني في تلك المرة تحت عجلات قطار الانفاق شعرت بالالم، حتماً لا تعلم، لأنك ارتكبت ما هو افظع، لقد قتلتها قبل أن ابوح بحبي لها، بل إنك بعد قتلك لي بعثت في من روحك واعدتني حياً مجدداً وجعلتني اكرر فعل الخيبات مرة أخرى. كنت أقول هذه هي المرة الاخيرة التي سيقوم بهذا الفعل الدوراني الاجتراري، وأنك في المرة القادمة ستجعلني في صورة جديدة وفي مدينة جديدة، ولكن لا جدوى، كل ما تقوم به هو مجرد عبث، بل إنني اكاد أجزم بأنك لست هناك، بأنك تراقب ما يحدث لي في هذا المكان دون أن تطرف لك عين، بل إنني قد لا أبالغ إن قلت بأنك لست هناك بالمرة. سئمتك وسئمت هذه الحكاية، لذا علي أن انهيها بطريقتي وباسلوبي، ولا مجال لتدخلك أو لعبثك الطفولي الفوضوي. حسناً، لنفترض أنك كنت خالقي وأنك ركبت القطار المتجه إلى شرق المدينة، ولنفترض ايضاً أنك تذكرت المحطة التي لا يجب أن تنزل بها، كما لنفترض أخيراً أنك نزلت في تلك المحطة ولمحتني جالسة في المقعد المجاور للمقعد الذي كنت تجلس عليه قبل نزولك في تلك المحطة، ها انا ذا اراني احدق في وجهك الذائب تحت لهيب الشمس، الآن اراني ارفع يدي والوح بها مودعة، تاركة أياك تنحدر في الطريق المؤدي إلى مدينتك البحرية، تتلاشى أمامي صورتك وأجدني اسرع في داخل القطار المتجه شرقاً. اتذكر النزول في المحطة الأخيرة. اخرج في الطريق المؤدي إلى مدينتي النهرية، أقف عند حافته، اقترب منه، أعلم أن لا خوف بعد اليوم، لا موت بعد اليوم، لا حياة بعد هذه اللحظة، اقترب من حافة المياه واجبرها على التوقف، لكنها تستمر في الحركة، ارى الصورة المنعكسة على السطح المتماوج، لا ألمح وجهي في هذه الفوضى من الاعين والانوف والافواه المتكررة، اشعر بالريح تخفت ثم تتلاشى، ألمح النهر وهو يتباطأ في الحراك، ارى التماوج يخفت، تقترب الاعين والانوف والافواه لتكون صورتي، لكنني لا ارى إلا وجهك ينعكس فوق السطح، يحدق بي ويرسم ابتسامة ميتة، ابتسامة بلا روح.