بدايـــــــــــــــــة


يرجح أغلب المطلعين على الشؤون الألكترونية لشبكة الانترنت في ليبيا أن الشبكة بدأت دخولها البلاد مع العام 1996 ولكنها كانت محدودة الانتشار واقتصرت على بعض الشخصيات والجهات الإعتبارية والرسمية، ولم تتسع دائرة انتشارها إلا مع نهاية العام 1998 عندما أصبحت متوفرة في بعض المراكز والمؤسسات التعليمية كالمعاهد العليا والكليات التخصصية، إلا أن العام 1999 شهد فتح الباب أمام الأفراد والشركات المتخصصة في الاتصالات للحصول على اشتراك بالشبكة على الرغم الأسعار العالية التي كنت تقدمها، والتي بدأت في الانخفاض مع زيادة الانتشار والمنافسة بين مقاهي الانترنت على الرغم من تواصل احتكار شركة واحدة لحقوق توزيع الخدمة على المستخدمين.


ومع مطلع القرن الجديد وزيادة رقعة انتشار الشبكة الجغرافية، ووصولها للمناطق ليبيا المختلفة أصبحت، ونظراً للضعف المتزايد لوسائل الإعلام المحلية والثقة المفقودة للصحف والمطبوعات الرسمية، أصبحت النخب الثقافية الليبية تجد في الشبكة أحد أهم الوسائل للوصول إلى المعلومة وتبادل الأخبار والآراء، إلى جانب النتاج الثقافي المحلي فيما بينها، مما قرب المسافة بين هذه الشريحة الهامة في المحتمع، والتي عانت وما تزال أشكال عديدة من الإقصاء والتهميش والتجاهل المتعمد والغير متعمد مع قبل المؤسسات الثقافية الرسمية بالدولة.


وعلى الرغم من عدم ترحيب بعض النخب الثقافية بالتعامل مع الانترنت في بداية دخولها لليبيا، لأسباب فنية تتعلق بالأمية الحاسوبية أو بإحساس بعدم جدوى وسيلة تخاطبية أخرى غير الوسائل التقليدية، المطبوعة أو المسموعة أو المرئية، فإن الجيل الذي أستطاع أن يلج هذه الشبكة ويطاوعها ويتعامل معها بحرفية، كان جيل المثقفين الشباب الأحدث في المشهد الثقافي الليبي.


مجلات مؤقتة


مع نهاية العام 2000 بدأت بعض المواقع الثقافية الألكترونية بالظهور في فضاء الشبكة، ومن بين أهم هذه المواقع، موقع بلد الطيوب الذي أسسه الشاعر والكاتب رامز النويصري والذي بدأ بالبث منذ العام 2000 والذي اطلق مجلته الالكترونية العام 2001.


وإلى جانب الصحف الرسمية التي أوجدت لها مساحة على الشبكة وخاصة بعد التدني المتزايد في توزيعها على بقاع البلاد المترامية، هذا إلى جانب عدم توفرها حتى في العاصمة طرابلس نظراً لقلة عدد النسخ المطبوعة مما حدا بالكتاب إلى متابعة ما ينشرونه بها بالاطلاع على مواقعها على الشبكة، إلى جانب هذه المطبوعات الرسمية فإن المواقع الثقافية التي أوجدت لها مساحات افتراضية أقتصرت على القليل من المنشورات، نذكر منها، مجلة المشواش التي ظهرت كمجلة ثم تحولت إلى موقع ثقافي، نشر بعض النصوص الأدبية واللقاءات الصحفية، إلى أن توقف منذ العام 2004 دون أن يتم تجديد مواده القديمة. موقع عين ليبيا الثقافي والذي ظهر مطلع العام 2005 وضم عدد من الكتاب والأدباء الشباب، أثبت حضوره في انطلاقته وبعد صدور مجلته الألكترونية التي أطلق عليها اسم فواصل وعلى وعد بتواصل نشرها بشكل نصف شهري، توقفت المجلة وتوقف الموقع، منذ منتصف يوليو 2005. ثم ظهرت مجلة (لا ملتزمة) النصف شهرية والتي تعنى بالنص التجريبي واستمرت في الصدور بشكل شبه منتظم حتى توقف عمل موقعها مع العام 2007.


أما أحدث المجلات الثقافية الليبية فهي موقع مجلة كراسي للفنان فتحي العريبي التي صدرت العام 2006، موقع رابطة الادباء والكتاب الليبيين على الانترنت (متوقف)، موقع الفضاء الثقافي، ، وموقع مجلة العين الثالثة والذي يجمع بين الموقع الثقافي الاخباري والمنتدى الالكتروني. ومع تبلور تجربة التدوين والمدونات في ليبيا مع العام 2007، على الرغم من ظهور المدونات الليبية قبل ذلك ببضعة سنوات، تحول الكثير من الكتاب والمثقفين الليبيين إلى إنشاء مجلات ومواقع ثقافية بصيغة المدونات لعل أهمها مدونة سريب للكاتب أحمد الفيتوري.


المقتطف.. نموذجاً


أنطلق موقع بلد الطيوب الذي يعنى بالأدب الليبي المعاصر في نهاية شهر سبتمبر 2000، بجهود الكاتب رامز النويصري الذي قام بتصميم وإعداد وتبويب المادة الأدبية للموقع، ليكون كمرجع للتعرف على الأدب الليبي المعاصر، وفي ذلك الوقت لم تكن هناك أية مواقع على الشبكة تقدم للمشهد الأدبي والثقافي الليبي، وهو الفراغ الذي ساهم بلد الطيوب في ملئه ومهد للعديد من المواقع الثقافية التي تأسست بعد ذلك.


أطلق الموقع مجلته الألكترونية التي سميت بالمقتطف وصدر العدد الأول منها يوم 15 نوفمبر 2001 وكان الهدف منها متابعة ونشر أخبار المناشط الثقافية والأدبية على الصعيد المحلي، إلى جانب عرض أهم الاصدارات، من كتب وصحف ومجلات، إلى جانب الإعلان عن المناشط التي يزمع تنظيمها، وساهمت المقتطف، أو كما سميت في بداياتها (مقتطف الأخبار) بنشر الخبر الثقافي الذي لم يكن يتم تغطيته بفعالية حتى في الصحف المحلية إلى جانب إدراجه للمتاب
عات عبر الصورة المرافقة للخبر وهو ما كان وما يزال شبه غائب في الصحف والمجلات المحلية المطبوعة.


صدرت المقتطف بشكل نصف شهري حتى العدد الخامس عشر مطلع يوليو 2002 وأضيف إلى جانب تغطية الأخبار والإصدارات خدمة نشر النصوص الأدبية للكتاب الليبيين، وخاصة الكتاب الشباب. منذ العدد السادس عشر (أغسطس 2002) تحولت المقتطف إلى مجلة شهرية ونمت لتشمل عدة أبواب وهي (الأخبار، المتابعات، الإصدارات، النصوص، مقتطفات، المقال الشهري، ولقاء المقتطف) وإلى الجانب التطور الفني في التصميم الذي تغير في مراحل متعددة، فقد حاول الكاتب رامز النويصري أن يشرك كتاب آخرين في تحرير المجلة، وهو ما نجح فيه بشكل نسبي ولفترات محدودة، إلا أن معظم مهام التحرير والنشر بقيت محصورة في مؤسسها ورئيس تحريرها إلى جانب الكاتبة كريمة الفاسي والتي تتولى ادراة تحرير المجلة، وبالرغم من العديد من الصعوبات التي تعرضت لها المجلة، إلا إنها استمرت في الصدور حتى الآن دون توقف وساهمت في نشر العديد من النصوص الأدبية لكتاب ليبيين وعرب، وكانت نافذة هامة للإطلاع على المناشط الثقافية والاصدارات الجديدة، بل وانفردت بنشر لقاءات مع بعض الكتاب أثارت جدلاً، وحركت ركوداً اتسمت به الساحة الثقافية الليبية.


وربما من أهم المشاريع التي انبثقت في البداية من موقع بلد الطيوب ومن ثم مجلته المقتطف، هو اصدار كتاب المقتطف الإلكتروني، في مجالي القصة والشعر، حوت مجمل النصوص التي نشرت على مدى السنوات الثماني الماضية من عمر المجلة، دون إغفال العدد من الكتب الإلكترونية التي صدرت عن الموقع الأم (بلد الطيوب) لكتاب ليبيين وعرب، واستضافته لمعارض فنية وتشكيلية الكترونية عبر الموقع، إلى جانب إشرافه على تأسيس مواقع تضم أعمال الشعراء الجيلاني طريبشان (مكابدات)، علي الفزاني (السندباد)، وموقع شاعر الشباب علي صدقي عبد القادر. في العام 2006 تحولت المقتطف إلى مجلة ألكترونية فصلية لتتواصل في الصدور بشكل مستمر وكان أخر اعدادها وليس اخرها، العدد (67) لفصل الخريف (سبتمبر) 2009.


قد يختلف البعض في تقييم تجربة مجلة المقتطف وموقعه الأم بلد الطيوب، إلا أن الجميع لا يستطيع إلا أن يعترف بريادة موقع بلد الطيوب ومجلة المقتطف كونهما من أوائل المواقع الثقافية الإلكترونية الليبية على الشبكة العالمية، ولا يستطيع أن ينكر أي أحد الخدمات التي قدمتها المجلة وقدرتها النابعة من مثابرة واجتهاد مشرفها على المواصلة رغم قلة الامكانيات وفي أحيان كثيرة تجاهل تعودنا على رؤيته من قبل الوسط الثقافي الرسمي وغير الرسمي في ليبيا.


فضاء حر


وفرت تجربة المقتطف مساحة لإنطلاق العديد من الكتاب الشباب، بل أن العديد منهم أنطلقوا للتعرف على مكانهم في فضاء الشبكة الإلكترونية الحر من خلال نافذة المقتطف، فالنقلة النوعية التي نراها في موجة كتاب الجيل الجديد استفادت من توفر المساحة الحرة على الانترنت، بل قد لا نبالغ إن قلنا بأن بعض الأسماء لم تكن لتبرز على الصعيد المحلي والعربي من الكتاب لو أنها لم تتعامل بشكل إيجابي وفعال مع هذا الفضاء الافتراضي والذي وفر قدرة على التواصل اللامحدود مع كتاب ونخب مثقفة في أقطار عربية أخرى إلى جانب الوصول إلى قراء في جميع أنحاء العالم، بعيداً عن احتكار المؤسسة الرسمية والتجاهل شبه المتعمد للمشهد الثقافي الليبي من قبل مؤسسات ثقافية محلية وعربية، نتيجة مساهمة الإعلام الليبي في بناء نمط للمشهد الثقافي في ليبيا لا يمت للواقع بصلة. وما يزال هذا الفضاء الحر يمنح متنفساً عبقاً للكاتب الليبي المتطلع لإثبات وجوده على المشهد الثقافي العربي، بل إن أجيال سابقة خاضت تجربة النشر الإلكتروني لما لمسوه من قدرة هذا الفضاء على التعبير دون قيود أو رقابة سلبية، عانوا من سيطرتها على عقولهم وأقلامهم على مدى العقود الثلاث الماضية. وما زال الفضاء يعد بالمزيد.


____

* تم اعداد هذا التقرير لصالح صحيفة ليبيا اليوم الالكترونية ونشر العام 2006 وقمت بتنقيحه وزيادته بحسب المعلومات الحديثة المتوفرة ليعاد نشره عشية الاحتفال بمرور ثماني سنوات لصدور مجلة المقتطف.