عندما كنا طلبة في كلية الطب البشري، كثيراً ما طرحنا اسئلة جدلية على بعضنا خلال فترات الاستراحة وبين المحاضرات تتعلق بنظرتنا لهذه المهنة المعقدة. من بين هذه الاسئلة الجدلية:
(لنفترض أنه تصادف وجودك في شارع ما لحظة حدوث محاولة لإغتيال شخصية سياسية، وكنت أنت الطبيب الوحيد في المكان، وهرعت لتقديم المساعدة لتكتشف أن الملقى على الأرض هو أحد الذين ساهمت سياستهم في قتل وتشريد أحد الشعوب في العالم، فما هو موقفك في تلك اللحظة. هل ستقدم يد العون له وتنقذ حياته؟، أم أنك تستعين بمعرفتك الطبية لتنهي حياته؟ أم أنك تنسحب تاركاً المكان؟).
أتذكر الآن أن البعض طرح مسألة أنه من المهم تحديد ماهية هذه الشخصية، لكي يتم الوصول لقرار في هذه الجدلية، البعض الآخر رفض الفرضية بالمرة كون احتمالية وقوعها ضئيلة للغاية، أما من تبقى فمنهم من ابدى رأيه بشكل افتراضي كذلك.
ما أريد طرحه من خلال ذكر هذه المسألة، هو ما ينقص تعليمنا الطبي في بلداننا، وهو الجانب القانوني والاخلاقي لعملنا كأطباء، وهنا لا أقصد أن يتم تعليم الاطباء مواد ومواضيع خاصة بالاخلاقيات الطبية بشكل تلقيني ممل ولا يؤدي إلى أي نتيجة ولكن ما قصدته، أنه وفي خضم مشاهد القتل اللامنطقية المتكررة على الساحة في منطقتنا وثقافة العنف والكراهية وإقصاء الآخر في مجتمعاتنا، فإن تأثر فئة الأطباء بهذه الثقافة أمر أصبح واقعاً معاشاً.
من وجهة نظري إن فلسفة معالجة الآخر من خلال العلوم الطبية تقوم على فرضية أولى وأساسية، تكمن في تقديم العون للإنسان لتجنب احتمالية الموت، كما أن اي علاج يحتمل القضاء على استمرارية الحياة للمريض يجب أن يقوم على أساس الفوائد التي تعود للمريض وحده من هكذا علاج، مثل استعمال العلاج الكيماوي والاشعاعي الذي يحمل آثار جانبية في سبيل منح المريض فرصة للتعافي أو على أقل الأحوال إطالة العمر، أو في حالات نادرة، وتحتمل النقاش، إنهاء حياة المريض لتجنيبه الألم والمعاناة من مرض ثبت استحالة علاجه أو ما يعرف بالقتل الرحيم أو Euthanasia.
ولكن بالعودة إلى القاعدة الاولى والتي تفترض أن الغاية الأولى للطبيب هي منع الموت بقدر استطاعته، فإن حضور العنف والكره المؤدي إلى القتل والترويع في الطبيب تنفي عنه في وجهة نظري أن يكون طبيباً.
ما اعادني إلى هذا السؤال الجدلي هو الاعتقالات الاخيرة في بريطانيا والتي يتهم فيها عدد من الأشخاص وجميعهم أطباء بالضلوع في عمليات ارهابية للاضرار وقتل أبرياء في بريطانيا، ودون أن أخوض في مدى صحة هذه الادعاءات وما ستؤول إليه، فإن ما يجعلني اقف مندهشاً هو كيف يمكن أن يصبح الطبيب قاتلاً؟!، كيف يمكن أن تجمع ما بين منح الحياة لشخص وانتزاعها من آخر لمجرد الاختلاف في اللون أو العرق أو الفكر، وربما حتى الرائحة؟!.. كيف يمكن أن نصنع أطباء يحملون القنابل في يد وفي الأخرى سماعة طبية؟!.. كيف يمكن أن…!!