في هذه الصحراء يموت كل شيء، ولا امل في الخروج من هذا الجحيم الرملي والصخري إلا بالعبور من خلال طرق صعبة اختارتها الآلهة بعناية قد تؤدي إلى المزيد من الهلاك. الموت في الصحراء ليس سهلاً وليس رومانسياً كما يعتقده البعض، فهذه الاميال من الجدب والهلاك ليست مرتعاً سوى للاوهام والسراب والقليل من المياه المالحة التي تظهر في مواسم لا يمكن التنبوء بها.
على حافة البحر ترى الصحراء تخترق المياه، ليختلط الجدب بالملوحة وتزداد احتمالية الموت بالجفاف امام بحر لم ينتهي بعد من ابتلاع الهاربين من الموت الذي يخترق الاجساد كل لحظة. زرقة البحر المختلطة بزرقة السماء هي ايضاً خدعة اخرى، وهماً آخر تصنعه المخيلة في محاولتها اقتفاء اثراً للالهة التي رحلت بعد معركتها الأخيرة من اجل السيطرة على الموت الذي ينخر الاجساد الغضة.
اعتقدت الآلهة أنه من المجدي استعادة هذه الارض والتمكن من العيش بين ثناياها معاركة الحياة الظالمة التي تختبيء في اركانها، حتى أن بعضها ظن أنه بإمكانه نقل الحكمة الازلية التي تتصف بها إليها، فتمازجت معها بطرق شتى بل هناك من الآلهة من قرر العيش على هذه الارض والتخلص من العيش في سماء مملة لا تعرف تغيراً.
يصعب تحديداً معرفة ما حدث، وكيف انتهى، البعض يردد القليل من الحكايات التي تناقلتها الأجيال، والبعض الآخر نقل ما حدث عبر كتب الاساطير والاسفار المقدسة، لكن المؤكد أن الآلهة وبعد سنوات من المحاولة والفشل، اختفت ولم يعد لها وجود، هناك من يدعي أنها اصيبت بالملل مجدداً وقررت الهجرة لبدء عالم آخر، والبعض يؤكد أنه مازال يراها في منامه وحين يهيم في الصحراء بلا هدف.
قد تموت الآلهة حيناً، وقد تصاب بالجفاف وتقرر الرحيل إلى نهاية الكون، لكنك إن انتظرت بعض الوقت، إن تمتعت ببعض الصبر والقليل من التهور والجرأة قد تلمحها تمر بجانبك، قد لا تتعرف عليها وقد لا تجد فرصة لمعرفة اسمها ولكنها حتماً ستلامس قلبك وتحيل الجدب واليأس الساكن عميقاً بداخلك إلى حياة وأمل. قد يحدث أن تراها وهي وتصنع وطناً في صحراء لا تعرف إلا الموت، أو وهي تبني من اجسادها البريئة درباً للخلاص.
حين تموت الآلهة، تولد من جديد من رحم هذه الارض التي هجرتها في زمن سحيق، لتعود إليها مخضبة بدماء الخصوبة، مشربة باحمرار الشمس، مشيرة باصابع النصر إلى الزرقة في المدى مستبشرة بوطن ضاع منا في زنازين العذاب. وطن يجب أن يموت لكي يولد بريئاً بلا آلهة.