منذ عدة اسابيع ونحن نسمع ونشاهد عبر وسائل الاعلام عن الازمة المالية العالمية وتدهور اسواق الاسهم والعقارات والقطاع المصرفي العالمي وخاصة في الولايات المتحدة ودول غرب اوروبا، وعلى الرغم من التعقيد المفرط في تفسير هذه الازمة المتلاحقة وتأثيره الذي سيظهر على المستوى الشخصى والعالمي على المدى البعيد، إلا أن الصحف والقنوات الاخبارية العربية طالعتنا بعدد من التقارير واللقاءات مع “خبراء” عرب، وتصريحات بعض الخبراء الامريكيين والاوروبيين منزوعة السياق وذلك بغرض ممارسة فعل درج عليه هؤلاء عندما تحل مصيبة ما على الاخر الاجنبي وهي (الشماتة).

والشواهد على عادة الشماتة هذه كثيرة، لعل اكثرها بشاعة هي تلك التي لمسناها عندما تعرضت الولايات المتحدة لعدد من الاعاصير والكوارث الطبيعية، بل وصل الحد بالبعض إلى الاشتراك في خدمة الخط السريع للاتصال بالسماء والتأكيد على ان ما يحدث هو غضب من الإله.

عدد من هؤلاء “الخبراء” بدأ الاستعداد للاحتفال بسقوط عرش الرأسمالية وعلى رأسها “الشيطان الأكبر” الولايات المتحدة الامريكية، بل أن البعض شبه سقوط وول ستريت بسقوط جدار برلين الذي كان يفصل شطري العاصمة الالمانية في نهاية القرن الماضي.

عدد آخر من الصحف العربية اوردت تقارير واخبار عن تصريحات لخبراء ومنظرين غربيين حول الازمة المالية الحالية تحدثوا فيها عن عمق المشكل المالي العالمي، ليتم اعداد هذه التقارير بعبارات منزوعة السياق لتأكيد نظريتهم الشامتة في سقوط رأس المال وانهيار “الامبراطورية” الامريكية “الغاشمة”.

ولكن الادهي والامر في هذا الموضوع هو أنه على الرغم من التعقيد الشديد في تفسير ما طرأ على صعيد اسواق المال واسباب الازمة التي يمر بها العالم، حتى ان اعتى خبراء المال والاقتصاد في الولايات المتحدة واوروبا يصعب عليهم تقديم صورة مبسطة لهذه الازمة، فإنك تجد من يتبجح بقدرته على التنبوء بالمستقبل والتبشير بحلول ونظريات اثبتت فشلها منذ وقت طويل، واكاد اجزم بأن معظم هؤلاء “الخبراء” الذين نقرأ لهم في الصحف ونسمع تصريحاتهم عبر القنوات العربية لا يفهمون الحد الادنى مما يجري وما قد يجري.

بل ان معظمهم يغلبون المشاعر الفكرية الرومانسية على الدراسة والتمحيص العلمي للظواهر الاقتصادية والسياسية التي تربط مناطق العالم بعضها ببعض، ومنهم من لا يتورع عن عرض غبائه وجهله بالتندر والتنبوء بقرب تفكك وانهيار الولايات المتحدة الامريكية والدول الغربية وغرقها في مستنقع الفوضى الاجتماعية والسياسية، متناسين كل شواهد التاريخ وحقائق التطور الاقتصادي والسياسي والثقافي لبلدان سبقتنا بعشرات السنين في مواجهة مشاكل اكثر حدة وتأزماً من الازمة الحالية.

يبدو ان الفاشلين الذين يديرون بلداننا بشكل يحسدون عليه، لا يملكون سوى ممارسة هوايتهم التي تفوقوا فيها بامتياز بالشماتة، وكأني بهم يمنون انفسهم بأنه مع تحقيق امانيهم في سقوط النظام الرأسمالي و”الهيمنة” الامريكية، سوف يؤول لهم الامر في ادارة شؤون العالم المالية والاقتصادية ولما لا السياسية كذلك.