وطن يجرحني كل صباح. يحملني بين ثنايا قلبه ويعبث بما تبقى من نبض. وطن لا يعرفني. يمتد حزنه الازلي من شرق إلى غرب، ويقذفني إلى شمال ينكرني. أراه مساءً يرسم ابتسامة زرقاء على وجه “غيداء”، أو يلثغ صرخته الحرة في حلق “عبد الرحمن”، ويعدني بيوم بهيج في اشراقة “امتنان”. يهمس بحياء ويلوذ إلى اعلى الجبل. مختبأ في كهف بناه من صخر وطين. اتذكره الآن واتلمس تفاصيله الشهية، وافشي له بسر بقائي مقيداً بحياته المرهقة.
وطن يسير بلا ظل، يغرقني في بحر نعيمه الكاذب ويطلق رصاصة الحب في رأس آخر العائدين إلى احضانه. وطن لا يعرف اسمه الأول، يخترع ألف اسم جديد بجميع احرف الابجدية، ويضيع في الزحام، بين صراخ المبشرين بنقائه. كالطفل يحبو على الشاطئ، يبني قصوراً من رمال وينثر بعضاً من عبق الشمس على وجنتيه الناعمتين. يعلو فوق جسد برأته ويعلن الرحيل. امنحه قبلة الحياة الاخيرة، يشهق ثم يستكين. بلا حراك، ينتظر أن يصحو من منامه.
هنا، جرح ساخن يسيل دماً حارقاً بلا ألم
هناك، قلب ينبض حقولاً من اصفرار ذليل
هنا، أمل يتيم يستجدي بعضاً من سلام حميم
على قارعة الطريق التقيه، جالساً، واقفاً، ماشياً، مسرعاً حيث لا أفق. مقتفياً أثراً فوق الرمال المتلاطمة. مميزاً صوتاً خافتاً في البعد. مقترباً من حدود فجيعته. لاعناً كل الهاتفين باسمائه النافرة. يقف وينكرني خائباً من حيث اتيت. يربت على حنيني ويمنحني ما تبقى منه، ابتسامة زرقاء، صرخة خافتة، واسماً اخيراً بطعم الودق.