·         يرى كثيرون أن مشهدنا الثقافي الليبي يتم تجاهله خارج ليبيا عربيا وعالميا، ربما يعود هذا لأسباب عديدة ومعقدة، ما رأيك.. هل ذلك حاصل فعلا، وكيف ترى شكل معالجته؟
·         اعتقد أن هذا احساس مشترك بين الكثيرين في الوسط الثقافي الليبي، وإن كانت الظروف آخذة في التحسن منذ السنوات القليلة الماضية. لا استطيع أن اجزم بقصدية التهميش أو التجاهل الممارس على المشهد الثقافي والادبي الليبي، ولكن هناك الكثير من الشواهد التي تدل على وجود هكذا تهميش، وإن كان غير متعمد في الكثير من الحالات. كنت في السابق اشعر بالاستياء من هذا التجاهل وخاصة على المستوى العربي، ولكنني بدأت اعي بأن مسألة حضور مشهد ثقافي معين في العالم العربي أو على المستوى الدولي، هي عملية لا تخضع للتقييم الابداعي الموضوعي، فهناك الكثير من العوامل التي لا تعتمد على جودة الابداع الذي يتم تقديمه والاحتفاء به على المستوى العربي والعالمي، واعتقد أن معظمها يقع في خانة العلاقات العامة، والتي اخشى أن اقول بأننا فاشلون فيها بشكل رائع. وبمعايشتي للكثير من المشاريع الثقافية العربية التي اراها حاضرة بقوة في بريطانيا على الرغم من عدم جودة هذه المشاريع، أجد أن القائمين عليها يسعون جاهدين لتقديمها من خلال الدعاية وبناء العلاقات العامة التي تفيد انتشار وحضور هذا المشروع أو ذاك المشهد الثقافي، وأعتقد أن الكاتب والمثقف الليبي، يتمتع بقدر خيالي من الخجل والتواضع غير المحمود في الكثير من الاحيان، كما أن الدولة الليبية، ساهمت في عزلة وسيادة الكثير من النمطيات السلبية حول المشهد الثقافي المحلي، جعلت الكثيرين يتجاهلونه أو يتناسون حضوره. هناك عدة وسائل للخروج بالمشهد الابداعي الليبي من حالة الخجل التي يعاني منها. ولعل الانترنت ساهمت بشكل كبير في تراجع التهميش والتجاهل، كما أن على المبدع والمثقف الليبي تقع عليه مسؤولية أن يثبت نفسه بالحضور والنقاش والجلوس في الصفوف الامامية، وأن لا يخشى من تقديم نفسه والاخرين عند أية فرصة تتاح له، وأن لا ينتظر أن تقوم الدولة الليبية بمؤسساتها العامة أو شبه الخاصة بتقديمه أو دعمه، وأن لا ينتظر الآخرين لكي يهتموا بما يبدعه، بل يسعى جاهداً إلى تغيير هذه النمطية التهميشية والانعزالية السائدة حول مشهدنا الثقافي الليبي.
·         هل تكفي الترجمة لتقديم الأدب الليبي إلى الآخرين ، وأي أدب هو المقصود بالترجمة ؟
·         لا استطيع أن اجزم أن الترجمة ستكون كافية لتقديم الادب الليبي للآخرين، ولكنها قد تساهم في الاهتمام بما يقدمه الادب الليبي لشريحة اوسع من القراء. كما أنني لا اعتقد أن الادب الليبي بشكل عام سيستفيد من ترجمته إلى لغات عالمية أخرى، بنفس القدر الذي قد يستفيد منه في حال انتشاره بشكل أوسع محلياً في ليبيا وعلى المستوى العربي. كما أنني اعتقد أن المعني بالتواصل مع الادب الليبي هم الافراد الذين يشتركون معه في اللغة والثقافة والعادات والتقاليد، لذا فإن الادب المحلي الذي يفشل في التواصل محلياً مع قرائه والمهتمين به، سيكون نجاحه على المستوى العالمي من خلال الترجمة محدوداً. هناك من يدعي بأن الاهتمام العالمي بأدب محلي معين يمنحه قوة للحضور بشكل فاعل محلياً، كما حدث مع الكثير من الكتاب العر
ب الذين تم الاهتمام بنتاجهم على المستوى العالمي، إلا أنني اجدني لا اتفق مع هذا الادعاء، كوني ارى أن مشكلتنا ليست في الآخرين وإنما في انفسنا. ولكن إن سلمنا جدلاً أن الترجمة الادبية ستكون رافداً لدعم انتشار الادب الليبي، فإنني لن انحاز إلى ادب معين على حساب ادب آخر، وإن كنت اميل إلى تقديم السرد، من قصة قصيرة ورواية، نظراً للاهتمام العالمي بهذا النوع من الادب.
·         هل أثرت التقنية حقا في توسيع حصة أدبنا من متابعته عربيا على الأقل؟
·         بدون شك، لقد اسهمت التقنية الحديثة، الانترنت وتجلياتها، في توسيع الاهتمام بالادب المحلي، وجعل الكثير من الاصوات الليبية حاضرة بشكل جيد بالمقارنة بالسنوات التي سبقت انتشار هذه التقنية. وقد لا ابالغ بالقول بأن المشهد الادبي الليبي استفاد من حيث تحسين جودة النتاج الابداعي، وذلك من خلال الاطلاع على تجارب الآخرين محلياً، عربياً، وعالمياً. واعتير نفسي من المتطرفين في انحيازي الكامل إلى قدرة تقنية المعلومات على تغيير واقعنا المزري الذي نعاني منه. واعتقد أن الادب الليبي لم يستغل بعد الامكانيات اللامحدودة التي تقدمها الانترنت على عدة مستويات، كما أن التطور السريع لهذه التقنية سيتيح المزيد من الفرص لتقديم الابداع المحلي، اولاً على المستوى المحلي وهو الاهم من وجهة نظري، ومن ثم على المستوى العربي والعالمي.
·         هناك أصوات من الجيل الجديد تقول بأنهم مقروؤون ومعروفون أكثر من أدباء الأجيال السابقة، كيف تنظر لهذه الدعوات؟
·         لا استطيع أن اجزم بهذه الادعاءات التي لا تخضع للبحث العلمي الموضوعي. كما أنني لا ارى أهميتها في انتشار أو الاهتمام بالمشهد الثقافي الليبي، واخشى ان معظم من يقولون ذلك لا يبحثون عن تنمية قدراتهم الابداعية بقدر بحثهم عن المزيد من الشهرة الفارغة التي تعتمد على الاستهلاك، كما هو الحال مع ثقافة الشهرة الاستهلاكية في العالم العربي، حيث لم يعد يهم المضمون بقدر ما يهم الانتشار. ولكنني قد أتفق بشكل محدود أن الجيل الجديد اكثر قدرة وتفاعلاً مع التقنية الحديثة مما يجعله أقرب للوصول إلى الكثير من القراء بالمقارنة مع ادباء من اجيال سابقة، تجد صعوبة في التعامل مع التقنية الحديثة. نحن لسنا في مجال منافسة بين جيل ادبي جديد وجيل ادبي سابق مادمنا نعاني من نفس مشاكل التهميش والتجاهل على المستوى المحلي.
·         هل أنت راض عن المستوى الفني للإبداع الليبي كونك مطلعا على تجارب عربية ودولية في الأدب والفن، ولصيق ببعضها؟
·         هناك الكثير من ألوان الابداع الفني الليبي التي اراها متطورة ومنافسة بشكل جيد بالمقارنة بالتجارب العربية والدولية المحدودة التي اطلعت عليها، ولكن في نفس المجال فإن هناك ألوان ابداعية أخرى متأخرة وتكاد تكون معدومة. فالابداع الفني المكتوب من شعر وقصة ورواية تكاد تكون مسايرة للتطور العربي والعالمي كونها سهلة التطبيق ولا تحتاج إلى الكثير من الامكانيات لتطورها، كما أن الانترنت اتاحت للمبدعين الليبيين الفرصة للاطلاع ومتابعة التطور العربي والعالمي، وهو ما يجعل الابداع الفني المكتوب متطور بشكل جيد، مع التطلع للمزيد من الاجتهاد في مسألة الاطلاع والانفتاح على الثقافات المحلية والعالمية الأخرى بشكل واسع وبدون قيود. كما أن الحركة الفنية التشكيلية الليبية تتميز بتطورها وانتشارها على مستوى دولي يستحق الاشادة. إلا أن تراجع وغياب أشكال فنية أخرى كالمسرح، والموسيقى والسينما وغيرها يجعلني في كثير من الاحيان اصاب بالاحباط من غياب الفن الابداعي الليبي الاكثر قدرة على التواصل مع الجمهور بشكل مباشر، وتقوقعنا في الاشكال الابداعية الفردية والانعزالية مثل الكتابة والفن التشيكلي، وابتعادنا عن الفنون الجماعية ذات الانتشار الاوسع.
·         ماذا عن دور المؤسسات الثقافية في نشر الأدب الليبي؟
·         على الرغم من قيام الكثير من المؤسسات الثقافية الليبية في السنوات العشر الماضية بتبني ودعم بعض المشاريع الثقافية والادبية الليبية، إلا أنني من القائلين بأن المؤسسة الثقافية الليبية الحكومية والرسمية لم تقم بدورها الصحيح، بل إنني لا ابالغ بالقول أنها قد ساهمت في بعض الاحيان بتراجع جودة الادب الليبي، أو في مزيد من التهميش والتجاهل على المستوى العربي والعالمي. أنا من المدعين أن المؤسسات الثقافية الحكومية المحلية والعربية لا تستطيع أن تساهم بانتشار أي نوع من الابداع والثقافة في ظل قوانين رقابية صارمة لا تحترم حرية التعبير والابداع، وتساهم في تكبيل المبدع بالمزيد من القيود من خلال جعله يعمل كموظف يتقاضى اجراً على كتاباته من المؤسسة الثقافية الحكومية التي اشك أن من اولوياتها انتشار الادب المحلي، بل إن معظمها تحولت إلى صناديق لتقديم التبرعات والهبات للمبدع. إن المؤسسة الثقافية الحكومية في عالمنا العربي مشكوك في نواياها، كما أن اجندتها تمتلئ بالنشاطات التي تهدف إلى تلميع صورة الحكومة واظهارها بمظهر الداعم والراعي للمشاريع الثقافية المحلية، بينما الهدف هو الحصول على المزيد من المكاسب السياسية. إن المؤسسات الثقافية الاهلية أو الجمعيات الثقافية المستقلة والتي لا تسعى للربح وتعتمد على تمويل نشاطاتها على التبرعات من القطاع الخاص أو من صناديق حكومية مستقلة أو من اعضائها هي أحد الوسائل التي ستساهم في الاهتمام بانتشار الادب أو الابداع الثقافي بشكل عام، ولكن في ظل الحالة الراهنة التي نعيشها ثقافياً فإنني اشك في امكانية قيام مثل هذه المؤسسات أو استمرارها.
·         هل يمكن أن توجد صحافة أدبية ليبية؟ أم أن ذلك أمر بعيد المنال؟
·         الصحافة الادبية الليبية ليست بالشيء الجديد، بل إن لها حضوراً جيداً بالمقارنة ببعض الدول المجاورة على الرغم من حداثة الكيان الليبي المعاصر
. إلا إن المشكلة تكمن في مسألتين مهمتين من وجهة نظري، الأولى هي غياب الدعم المادي لإستمرار هذا النوع من الصحافة وتطورها، والثانية عدم وجود قاعدة من القراء الفاعلين القادرين على دعم استمرار المطبوعات الثقافية والادبية الليبية. واعتقد أنه في ظل الاحتكار السيء للدولة للصحافة الليبية وقنوات دعمها المادية من جهة وغياب القارئ الفاعل، والمثقف الداعم لهذه المطبوعات إما باقتنائها أو الاطلاع عليها والمساهمة بتواصلها من جهة أخرى، فإن الحديث عن صحافة أدبية ليبية في الوقت الحالي، قد يجعلنا نقع في مطب الحديث المترف غير الواقعي وغير المتفاعل مع الحقائق أو الذي تغيب عنه جملة من الأولويات التي تحتاج منا الوقوف عندها، والتي من أهمها تحرير كامل للصحافة الليبية من احتكار الدولة لها، والخروج بالصحافة الليبية من أزمتها التي تعيشها منذ عقود. لذا فإنني ارى أن الصحافة الادبية المحلية الوحيدة التي يمكن التعويل عليها في الوقت الحالي هي تلك التي يتم تقديمها عبر الانترنت، والتي لا تحتاج إلى الكثير من التكاليف وتتمتع بحرية نسبية من رقابة الدولة أو احتكارها.
·         هل أنت كاتب كوزموبوليتاني؟
·         يصعب علي قبول هذه الصفة في هذا الزمن الذي اصبحت فيه الثقافات العالمية تزداد تقارباً، نتيجة ثورة المعلومات، إلا أنه على الرغم من ذلك تبقى قدرة الانسان محدودة للاطلاع واستيعاب العديد من الثقافات العالمية، وذلك في حال اجادة اكثر من لغة واحدة. أعتقد أنه لا يكفي أن يجيد المثقف أو الكاتب اكثر من لغة أو أن يعيش خارج حدود ثقافته المحلية لكي يكون كاتباً عالمياً، أو مواطناً عالمياً. يكفي أنني اصاب دائماً بالاحباط عند انهائي قراءة كتاب جديد لكاتب لم أقرأ له من قبل أو حين أقرأ معلومة علمية أو تاريخية لم اطلع عليها في السابق أو حين أتعلم شيئاً جديداً عن ثقافة محلية أخرى لم أعرف عنها الكثير من قبل، لأنني اكتشف أنني قبل هذه المعرفة الجديدة بالنسبة لي كنت جاهلاً بها وأعيش بدونها، واكتشف كذلك أن هناك الكثير والكثير من الكتب والثقافات والمعارف التي لن أجد الوقت على هذه الارض للتعرف عليها واستيعابها. إنها حالة إدمان لتحقيق هدف وحيد وهو أن اكون يوماً ما مثقفاً.
·         ما هو حلمك الثقافي الأصيل؟
·         أحلامي الثقافية متعددة ولكنها جميعاً تجتمع في أن أرى عادة القراءة تنتشر في مجتمعاتنا لتصبح ثقافة سائدة، يتم تنميتها منذ الطفولة من خلال المكتبات المدرسية والمكتبات العامة، وأن يصبح للكتاب سواء مطبوعاً أو رقمياً متوفراً بلا قيود وبلا رقابة، وان اجد الوقت والقدرة على قراءة المزيد من الكتب. أعتقد أن هاجسنا الثقافي في المرحلة القادمة هي العمل على ترسيخ ثقافة الاطلاع والقراءة، فلن نستطيع أن ننجح في تغيير واقعنا الاجتماعي والسياسي المأزوم بدون توفير المعرفة الحرة للجميع.
_____
* عن صحيفة قورينا العدد 629 الاثنين 30 اغسطس 2010.