ها هي صورتك تحتضر في خيال المكان، تُمسكُ بما تبقى من أمسِك وتمسح غباراً علق أمام عينيك الغائمتين، ها هو صوتك يبهت في ثنايا الذاكرة، تصرخ بصمت في اذنيك الذائبتين تحت هذا الصليل. تنزل درجة اخرى وتعيد ترتيب تفاصيل الحكاية المهترئة، تتوقف عند المرآة، تزيل بقعاً علقت على سطحها، تعدل من مكان الكرسي وتبعد المنضدة شبراً عن الحائط، تقترب من دفترها المتروك مفتوحاً بلا حياء على مكتبها، تجبرك الأحرف المخطوطة على الورق لإختلاس النظر، ترفع القلم تتحسس طريقك في حوافه، تعيده فوق الدفتر وتبتعد مسرعاً حيث النافذة.
موحش هذا الليل بدون نبضها، والصباح يولد يتيماً للمرة الألف.
المطر يتساقط فوق الحلم والريح يحمل ما فر من ابتساماتها.
تهوي على مساحة من وجهها وتنتهك شفتيها الباردتين بلا حب.
صيف آخر يسير وجلاً على مهل نحو هاوية بعيدة، يقترب أول الراحلين من طفولته المنتحرة طالباً المزيد من دمائك، ينحني تحت ظلها مستجدياً بعض الشغف، بعض القلق والقليل من العبث. تنزل الدرجة الأولى وتغلق الباب خلفك، كل الدروب تؤدي إلى صورتك المحتضرة في خيال المكان، تعود لتسلق الحلم، تتعلق بآخر شهقات كائنات الصباح وهي تذوب في اليقظة، تمسح نوماً مبللاً من عينيك وتكتشف أن صوتك مازال باهتاً، لكنك تمتنع عن الصراخ، لكيلا توقظ الجبناء، تنزل درجة اخيرة، وتقترب من دفترها المغلق بازدراء، تجبره عنوة وتقرأ آخر اسمائها النازفة.