ما أن يعود الليبي من رحلة طويلة خارج أرض “الوطن” حتى يتجدد السؤال القديم الجديد والذي سبق أن تحدثت عنه في تدوينة سابقة، “هل تغيرت ليبيا؟”، وسابتعد عن فخ التخصيص والشخصنة وانبري في حماية التعميم والعموم، لأجيب عن هذا السؤال الذي لا يبحث عن رد بقدر ما يبحث عن تأكيد لنفسية الانسان “الليبي” بعدمية وعبثية حياته التي تتواصل على هذه الأرض التي اتفق على حدودها الدولية لتكون بهذا الاسم المختصر “ليبيا“.

ولأنني من المصابين بداء التفاؤل “السخيف” والذي اصبح نادر الوجود في “المجتمع الليبي”، فإنني كثيراً ما أجدني اؤكد أن التغيير والحدوث سمة اساسية في تواصل الحياة التي يعيشها البشر على أية بقعة على الارض، ولكن هذا من البديهي بطبيعة الحال، ولكن في الحالة الليبية فإن التغيير يرتبط اساساً بالحالة السياسية والاقتصادية للبلاد بدرجة أساسية، بل إنني اكاد اجزم بأن التغيرات الحاصلة على الارض وفي شكلها البنياني، من ارتفاع عمارات شاهقة جديدة وبناء فنادق سبعة نجوم، وتوفر الساندويشات ذات العشرين ديناراً ليبياً، وتغليف المباني بالزجاج والصفائح المعدنية اللامعة، او ربما في إنشاء المساجد الضخمة بقبابها المذهبة، وغيرها من التغيرات على صعيد البنية التحتية، وهنا اتكلم على مدينة طرابلس تحديداً، اكاد اجزم بأن هذه التغيرات لم تنعكس على نفسية الانسان “الليبي” المحبطة والمكتئبة والباحثة عن الموت والموت المضاد.
ولعل مواضيع الساعة التي تجدها تتكرر في جلسات المرابيع، وبديلتها العصرية، مقاهي الارجيلة في مختلف انحاء المدينة، سوف تدور حول، أسعار الاراضي والعقارات من شقق ومنازل، واسعار مواد البناء من “شرشور” واسمنت وخشب وحديد، وربما يمتد إلى الحديث عن الهدم والازالة المفترضة لغرض التطوير، والتعويضات، وطرق ابتزاز الدولة، وحتى لافتات الاحلام بمباني خرجت مخططاتها لتبهر الاعين ولتوهم الناظر أن التغيير قد حدث وأن الخلاص سيكون قريباً عندما يجلس الجميع على سرر متقابلين، في جنة ليبيا الجديدة.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ويطرحني، بعد الاجابة بشكل تفاؤلي، ايجابي على صعيد التغيير العمراني وربما الاقتصادي بدرجة متفاوتة، هو “هل حقاً يسعى الانسان “الليبي” للتغيير؟” أم أنه فقط يريد لحالة الوضع الراهن أن تستمر إلى الابد بشرط أن يترك له حرية أن يعبر عن استيائه العام والخاص، من خلال قيادة سيارته بشكل انتحاري، لكي يَقتل أو يُقتَل بشكل عدمي، عبثي، فوق الطرقات الساخنة، وأن توفر له فرصة أن يمتلك سيارة كورية حديثة لكي يساهم في هذا الفعل، وهاتف نقال يعين على سرعة هذا الفعل، وألف متر مربع لبناء بيت الحلم عليه ووظيفة لا يقل مرتبها عن ألف دينار والتي لن تكون كافية حتى وإن تم مضاعفتها مرتين أو حتى ثلاث مرات.
وعلى الرغم من بعض التغيرات الايجابية والتي تبعث الأمل عند متابعة بعض المشاريع الليبية الخاصة والعامة والتي تفيد بقدرة الانسان “الليبي” للخروج من حالة الوضع الراهن والركود التي يعيشها، إلى حالة أكثر تفاعلاً وقدرة على تغيير الواقع الذي يحيط به، وخاصة على صعيد فئة الشباب الليبي الممتلئ بالطاقة والحيوية، إلا أن حالة الركود السياسي وغياب البديل الفاعل لإحداث حراك في البلاد ينخرط فيه الجميع لتحقيق ما يشبه العدالة الاجتماعية، لن تؤدي إلى تغيير حالة السلبية والانكفاء والانانية العمياء التي تجتاح المجتمع، نتيجة لانتشار القيم الاس
تهلاكية وظهور طبقات اغنياء السلطة وهوامشها، مما يدفع على السطح المزيد من مشاعر الاحباط واللاجدوى والرغبة في الانتقام السلبي من الحياة على هذه الارض
.
وبالعودة للسؤال السابق “هل تغيرت ليبيا؟”، فإن تفاؤلي الحذر هذه المرة يجبرني على الاجابة بنعم، التغيير يحصل في ليبيا ولكنه، تغير فوضوي وعشوائي يركز على المظهر الخارجي، واعادة تسويق الشكل القديم ليكون اكثر حداثة وقبولاً في نظر الآخر المراقب للحالة الليبية، إنه تغيير حقيقي ولكن لا يمكن وصفه في اتجاه الأفضل أو الأسواء، حتى لا نقع في فخ التعميمات المجحفة والساذجة. ولكن السؤال الأهم في وجهة نظري هو “هل يريد “الليبي” التغيير؟”، وهو ما اعتقد ينطوي على فرضية رغبة الليبي وايمانه بقدرته على التغيير أو بالاحرى حريته وارادته للاختيار والتي اراها ما تزال تدهس كل يوم تحت عجلات السيارات بشكل عبثي على الطرقات الساخنة.