عرفها العرب قديما ويعرفها العرب حديثا، يقتنيها حكامهم وينفقون عليها أكثر مما ينفقون على الصحة والتعليم والبحث العلمي، أعدادها مجهولة لكنها تعد بالآلاف وبمئات الآلاف، تتوالد وتتزايد كلما ازداد عشق الحاكم لحكمه وازداد فساده وظلمه، صفتها الطاعة العمياء والصمت والانقضاض المفاجئ، ليست هجينة ولا تخضع لهندسة وراثية، هي ابنة الذئب في صفاته ولا تنام إلا بعين واحدة، تحب من الألوان الأسود والأحمر ولا تخرج إلا عندما تنام الشمس، نهمة ولا تشبع من لحم فرائسها، وفرائسها لا بد وأن يكونوا بشرا ولو في الأرحام، لا تخرج من جحورها إلا عندما يأتيها أمر ربها، لا تنقض على فريستها فرادى، ولا تنقض راجلة، تنقض محمولة على الحديد والفولاذ، لا تخطئ العنوان والطريق، تعرف كل بيت وتعرف كل زاوية ومنعطف، متحفزة تنتظر لحظة الاصطياد، أحيانا تنقض مقنعة وأحيانا تنقض سافرة، تفاجئ فريستها عندما تكون نائمة ومطمئنة، لا تطرق الأبواب ولا تستأذن للدخول، تدك الأبواب وتخلع الأقفال وترتقي الجدران، تمزق الأستار وتحطم الخزائن وتفتش الزوايا وترعب الرضع والغافلين، عدوها الأول من يفكر ويقرأ ويكتب ومن يحب الكتاب وتعشق السجون والمعتقلات والتعذيب، يتم اختيارها من بين الملايين وتمضي حياتها معزولة عنهم إلا عندما تصطاد من بينهم فريستها حتى لو كانت من جنسها، لأن أمر الصيد لا يفرق بين قريب أو بعيد أو بين جنس وجنس، ينفقون عليها الملايين من أجل أن تكون قوية وخبيرة وفتاكة،يدربها بشر من أي جنس خبراء بطبعها وطباعها، يعلمونها لغة الصوت والإشارة ويغدقون عليها الكثير من خيراتهم سكنا ولباسا وطعاما ويبيحون لها الحرمات،خبيرة في اغتصاب الاعترافات المزورة، وخبيرة في الخطف والاغتيال وتدبير الحوادث العرضية بسيارة مسرعة أو بطلقة سلاح خرساء، أحيانا يرتدي بعضها لباس البشر فيأكل من طعامهم ويعاشرهم  معاشرة الصديق للصديق أو معاشرة الأخ لأخيه حتى يأتيه أمر ربه فيصبح الأليف عدوا، يغافله في قطيع أسود وفي ليلة تغيب عنها نجومها ويقطعون منه عرق الحياة، أو يأخذونه إلى ظلام مجهول، منها من يجوس في الأفراح والمآتم والأسواق يترصد حركات الشفاه ونظرات العيون، ومنها من يقرأ حتى قصاصة ورق في حاوية النفايات فالشر يأتي حتى من الكلمات الطيبة، هي حامية القوي طالما بقي قويا، لها ما ليس للآخرين وليس عليها ما على الآخرين ويدها مطلقة في أي اتجاه وكل محرم مباح إلا ما اقترب من أمن وسلامة ربها، مع ذلك يحدث أحيانا أن تأخذها العزة بقوتها فتغافله في لحظة اطمئنان مطلقة أو في ساعة أحلام سعيدة وتقطع منه عرق الحياة، وفي التاريخ العربي قديمه وحديثه أكثر من مثال حيث كان الجنس أو الوعد بالخلافة هو الإغراء بالفردوس، ولأن من يحكم لا يغفل عن أطماعها فتراه يشكل تنظيمات أخرى سرية لتكون عينا على العيون الأخرى وتتبادل التصفيات فيما بينها، وفي النهاية لا يبقى منها إلا القوي مطلق الولاء ثم تعود الحكاية إلى بدايتها، ولأن خوف الحاكم أزلي فهو يختارها من عصبيته القريبة ومن دمه، من الدرجة الأولى فإن لم يكن فمن الثانية فإن لم يكن فمن الثالثة، لأن الدم كما يتوهم لا يتحول إلى ماء، ينسى الأمين والمأمون وينسى يوسف باشا وعلي باشا وينسى تصفيات المماليك لسلاطينهم.

____

 * تنويه وشكر: نشر هذا المقال أول مرة في مدونة سريب ووافق استاذنا الاديب يوسف الشريف باعادة نشره في مدونة امتداد فله الشكر والتقدير.
* صورة الكاتب عن صحيفة الجماهيرية.