لماذا اجر نفسي إلى هذه المعركة الورقية؟ لا ادري. هل لأنني سئمت رؤية خيالات المآتة التي تظهر عبر المواقع الليبية وهي تتظاهر بأن لديها الحقيقة المطلقة. هل لأنهم لمسوا وتراً حساساً وعزيزاً في داخلي؟ أم أن الضجيج المزعج والمثير للاستياء قد وصل حداً لم يعد صمتي المعتاد وتجاهلي للهراء تحمله؟!

اتحدث عن الهجوم غير المنطقي والسياسي خلال الفترة الماضية لصحيفة ليبيا اليوم، المكان الذي عشت فيه ليل نهار لأسابيع طويلة قبل انطلاقه، وسنوات عديدة خلال المسيرة التي خضناها في ادراته وتسييره حتى انسحابي منه لأسباب خاصة وشخصية، جازماً أن صحيفة ليبيا اليوم تحولت إلى مؤسسة صحفية بإمكانها الاستمرار والتواصل بغض النظر عن الاشخاص القائمين عليها.

القضية الاساسية، أو القضايا الأخرى التي تشعبت منها، اثارت كماً من المقالا والردود والردود المضادة والتي شارك فيها الجميع ليس فقط بالتحليل والنقد ولكن حتى بوسائل التنجيم وعقد الاضطهاد ونظريات المؤامرة والمغالطات المنطقية المستندة على الخيال والاوهام والتي اصبحت سمة غالبة على بعض هذه المقالات والردود والتعليقات.

كثيرون لم يعرفوا بأنني بدأت العمل في صحيفة ليبيا اليوم منذ تأسيسها العام 2004، على الرغم من عدم ظهور اسمي بها بشكل رسمي حتى مطلع العام 2009، كما أن من يتابعني سيعلم بأنني لا أنتمي لأي تيار سياسي كما أنني لا أمتهن السياسة وكنت و مازلت وسأظل اعرف نفسي كمثقف قيد التكوين، ولو أنني أعرف بأن محبي نظريات المؤامرة سيحاولوا تخمين الاسباب وتحجيم توجهي الفكري ليلائم شكوكهم، بل وربما يصل بهم الأمر إلى تحميلي مسؤوليات لا نراها إلا في عالم القصص المصورة والساخرة.

لن ادخل في تفاصيل الاحداث ودهاليز الاتهامات، إلا أن ما اثارني هو أن البعض طالب (ليبيا اليوم) بأن تكشف علاقتها بالدولة الليبية، ومصادرها الصحفية والبعض الآخر وصل به عصابه المتوهم إلى أن اللعب بالالفاظ السياسية من قبيل، إذا لم تنفي ليبيا اليوم الادعاءات بعلاقاتها “المشبوهة” فإن ذلك يعني ضمناً تواطؤها وتأمرها على كتابها وقرأها ومتابعيها، وهو القول الذي اثار ضحكي في البداية عندما ردده أحد الجاحدين، ولكنه اثار حنقي واشمئزازي عندما تردد مجدداً من قبل آخرين فقدوا تواصلهم بالبلاد والقضايا الحقيقية والاساسية في هذا السيرك الفج والممسوخ المسمى السياسة الليبية.

هذا الاتهام الاسطوري والذي لا يستند على أي دليل، اثار استيائي لأنه يحاول القول بأن العمل الذي قمنا به ما كان له أن يصل إلى هذا المستوى لولا مساندة وتدخل حكومي أو شبه رسمي، وكأن هؤلاء يؤكدون الادعاء السائد أن الانسان الليبي فاشل ومتخاذل وعبد للظروف والبيئة والتجاذبات السياسية ولا يرى في نفسه القدرة على ممارسة فعل التغيير والابداع وبناء المشاريع من الصفر، وكأن بهم يقولون ايضاً أن مقدار التضحيات التي قدمت لهذا المشروع عديمة القيمة وأننا لسنا سوى بيادق في لعبة كبيرة، فهؤلاء لم يتمكنوا من استيعاب أنه بفريق عمل صغير مكون من أفراد يعشقون عملهم وبخطة سنوية منظمة وبضعة أجهزة حاسوب شخصية وبرؤية تحريرية مهنية، وبمزانية مالية رمزية يمكن انجاز مشروع صحفي مهني مؤثر وفاعل.
في زمن غير بعيد تعرضنا في صحيفة ليبيا اليوم إلى هجوم من جميع التيارات ليس أقلها الحكومية والرسمية وصل إلى تدمير الموقع عدة مرات، كما أن الانتقادات التي وجهت للصحيفة من قبل التيارات الأخرى كانت موازية لمسيرة الصحيفة منذ انطلاقها العام 2004، وكنت مساهماً ومنفذا لسياسة لم نخفها في الصحيفة وهي تجاهل هذه الانتقادات اللامجدية والتي لا تهدف إلى مساندة وتطوير العمل بداخل الموقع، وذلك في ايمان منا أنه ما دام الجميع من كافة الاطياف يهاجمون ادائنا فذلك يعني أننا قد حققنا ولو بنسبة مقنعة المعادلة الصعبة من الموضوعية والاستقلالية والمصداقية في عالم الاعلام والصحافة.

ولم يكن تجاهلنا لهذه الانتقادات والاتهامات والادعاءات من قبيل الغرور أو التعالي ولكنه نبع من ايماننا أن أصحاب الأصوات العالية وعاشقي الصراخ هم الاضعف حجة، وأن العمل بهدؤ والاهتمام بأراء القراء والمعلقين والكتاب واقتراحاتهم لتطوير ومساندة الصحيفة هي الأهم، بل إننا استطعنا من خلال هذه الاراء والاقتراحات والانتقادات الايجابية من تحسين ادائنا والرفع من مستوى العمل. كما أننا ارتكبنا عدد من الأخطاء وهو حال العمل في مناخ صحفي ليبي تقل فيه الكوادر الصحفية المدربة إلى جانب محدودية الامكانيات الفنية والمادية، ولم تتهرب الصحيفة من الاعتراف باخطائها والاعتذار لكتابها وقرائها ومتابعيها، في سعي لتحقيق المزيد من الشفافية، ومحاولة تحقيق المزيد من النجاحات وهو ما لا يحتاج إلى اثبات أو مزايدة، في زمن كثر فيه المتبجحين والمزايدين ومدعي اليقين المطلق.

لقد تركت العمل في صحيفة ليبيا اليوم منذ شهر مايو الماضي ولكنني أحمل قلب (ليبيا اليوم) في داخلي، وستبقى محفورة في عيني، وانا على ثقة بأن الزملاء في ادارة التحرير الحالية قادرين على الحفاظ على خطها وسياساتها المتزنة والشفافة، أما من يبحثون عن الروايات البوليسية والخيال التجسسي فانصحهم بتحويل مواهبهم لكتابة روايات الاثارة علهم بذلك يحققون بعض الشهرة والمال في شيء مجدي وأكثر نفعاً لنا جميعاً.