بعد مرور ثلاث ايام على وصولي لطرابلس قررت أن اجمع قدرا من الشجاعة التي تؤهلني لأن امسك مفاتيح سيارة واقودها في داخل طرقات المدينة، وهي ما اعتقد أنه الفترة الزمنية الكافية لكي تتكبد اقل ما يمكن من الخسائر لك ولسياراتك. مررت على مكتبة المختار بمنطقة حي الاندلس لكي اشتري اعدادا من صحفتي (قورينا) و(أويا) اللتين لم اطلع عليهما بعد، وبشكل عام كان انطباعي ايجابياً بالعموم، وستتطور الصحيفتين بمزيد من التراكم والمشاركة من قبل الكتاب والصحفيين الليبيين. ثم عرجت على المنطقة المتاخمة لشاطيء البحر من منطقة حي الاندلس بالقرب من مجمع فندق الشاطيء لكي ازور مبنى رابطة الكتاب والادباء الليبيين والتي قضينا فيها في أوائل مرحلة ظهورنا لعالم الكتابة أوقاتاً لا اعتقد انها ستتكرر. والفترة التي اتحدث عنها كانت بين الاعوام 2000 إلى 2003 والتي شهدت نشاطاً ملحوظاً للرابطة من خلال الانشطة الاسبوعية كل يوم اثنين أو حفلات المعايدة والتوقيع على الكتب الصادرة حديثاً كما كنا نزورها في خارج هذه المناسبات لشرب بعض الشاي أو القهوة في مقهي الرابطة والجلوس على الشرفة المطلة على الشارع أو البحر للتحدث مع بعض الاصدقاء من الادباء من جيلنا أو السابقين في هذا المجال، واتذكر كيف كان الكاتب ابراهيم حميدان الذي شغل منصب الامين المساعد للرابطة آنذاك يرحب بنا ومنحنا مساحة واسعة للتفاعل مع انشطة الرابطة، واتذكر الكاتب الاريتري ابوبكر حامد الذي كان يعمل في مقهى الرابطة وهو يقرأ علينا فصولا من روايته التي صدرت فيما بعد، والعديد العديد من الذكريات التي احمل لها في قلبي مكانة خاصة لن انساها ابداً.

من اليمين: ابوالقاسم المزداوي، عبد الدائم اكواص، سمير جرناز، ورامز النويصري في شرفة الرابطة الداخلية شتاء 2003

الاديب يوسف الشريف والكاتبة نعيمة العجيلي في حوار ثقافي على شرفة الرابطة الخارجية شتاء 2003

في أوائل العام 2004 صدر قرار بحل الامانة العامة لرابطة الكتاب والادباء وتفكيك الهيكلية الادارية والغاء عضوية كافة المنتسبين للرابطة في اطار ما سمي في حينه اعادة هيكلة الروابط والجمعيات الاهلية، وكان الغرض منها تقليص نشاط رابطة اثبتت فعاليتها أمام نفوذ أمانة أو وزارة للثقافة استحدثت في ذاك العام وذلك بعد جهود متواصلة ونداءات لم تنقطع للرابطة واعضائها بتكوين وزارة خاصة للثقافة فقط، ولم يعرفوا أن ما نادوا به وتحقق سيكون أول قراراته القضاء عليها. وهو ما حصل بالفعل فبعد صدور ذلك القرار تم الاستيلاء على مقر الرابطة، وفرضت شروط مستفزة للحصول على العضوية ادت إلى مقاطعة عدد كبير من الكتاب والادباء للانضمام للرابطة الجديدة، وضمت إليها فئات أخرى ليست لها علاقة بالادب والكتابة وذلك لحفظ ماء الوجه واختيرت امانة عامة جديدة اعتذر أمينها العام على المنصب الذي فرض عليه حتى هذه اللحظة، ثم توقفت الانشطة الدورية بشكل شبه كامل، ولم يصدر من مجلة الرابطة الفصلية (الفصول الاربعة) الا بضعة اعداد متفرقة وبالكاد، وهي الدورية التي لم تتوقف حتى في اصعب مراحل الثقافة في ليبيا.

وكأن للمأساة لكي تنتهي فصولها لا بد لها من نهاية تراجيدية لكي توازي كل هذا الدمار الذي لحق بالرابطة لكي يترجم إلى خراب فيزيائي على الارض، فما أن وصلت إلى شارع الرابطة بالقرب من مجمع فندق الشاطئ حتى واحهني البحر وهو ينفتح أمامي بلا حد، فالفندق اصبح ركام بعد تهديمه بغرض تطوير المنطقة، وغير بعيد وجدت ركام المبنى الذي كان يضم رابطة الفنانين ورابطة الكتاب والادباء، كومة من الطوب والحجارة والحديد الصدئ المعوج، ركنت السيارة بالقرب من الحطام، ترجلت لأقترب إلى ما اعتقد أنه كان عتبات الدرجات المؤدية إلى المبنى، وقفت محاولاً ملأ الفراغ الفوضوي الذي أمامي اقتربت من احد اكوام الطوب المهشم، اخترت احداها بحجم كف اليد، ومضيت عائدا إلى سيارتي وانطلقت في طريقي وانا اشاهد في المرأة تطاير غبار احاديثنا وقصائدنا وقصصنا وكل حروف كلماتنا وهي تذروها الرياح في الطريق…

ما تبقى من مبنى الرابطة، خريف 2007