بالامس وصلت إلى طرابلس في زيارة قد تطول بعض الشيء، وذلك منذ آخر زيارة في يناير من العام 2006. الجو كان مشبعاً بالرطوبة في مطار طرابلس الذي لم يكن مزدحماً في هذه الظهيرة القائضة من شهر رمضان. بينما كانت الطائرة تقترب من طرابلس تطلعت من النافذة وشاهدت لحظة دخولنا إلى الاراضي الليبية، لحظة انتهاء البحر وبداية حواف هذه الارض التي ترهقنا بحملنا جزء منها اينما حللنا، وتبادر إلى ذهني وأنا اراقب قطع الاراضي المتفرقة والمتعددة الالوان التي تحيط بضواحي طرابلس تبادر إلى كيف أننا تحتاج احياناً للوقوف بعيداَ لمشاهدة الصورة بشيء اكثر وضوحاً، وهو ما اسميته الاقتراب عن بعد وهو ما نمارسه بخروجنا من الوطن لنرى تفاصيله الدقيقة بشئ من التبصر.

اليوم وبعد نوم عميق خرجت بصحبة أخي في جولة نفقدية لمعالم المدينة المتعددة وللقاء بعض الاصدقاء. أول الاسئلة التي يطرحها عليك هؤلاء، والتي تسبب لي بعض الانزعاج، هو كيف وجدت البلاد، هل تغير شيئاً؟! ولكنه لا ينتظرك لتكمل اجابتك وانما يسارع بالنيابة عنك بالاجابة ببداهة، “ما تغير شيء، أي لم يتغير شيء كما ترى”، وكثيراً ما كنت اتسأل ما المقصود بهذا السؤال، بمعنى علينا أن نعرف ما معنى التغيير المطلوب، هل هو تغيير في المباني والطرق، أم في الافراد والسلوكيات أم في الاحوال الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، أم أنه سؤال لا يبحث عن اجابة متعمقة وإنما يسعى للحصول على اجابة عفوية سطحية، ذات طابع انفعالي، كما تسعى إلى تطمين السائل إلى أن قناعته بلا جدوى حياته على هذه الارض هي الحقيقة والمسلمة الاولى لذا قمن باب أولى أن تتفق معه حولها لمحاولة ايجاد ارضية مشتركة للنقاش بعدها.

ما رأيته اليوم في طرابلس في جولتي السريعة، يشي بأن التغيير هو واقع وممكن، وهو يحدث على الارض في ليبيا، ولكن لا معنى لتغيير في الاشكال والمباني والطرق والهدم والازالة ويافطات براقة وضخمة تحمل رسومات متخيلة لمشاريع معمارية عملاقة ، لا معنى لتغيير في زيادة عدد المحال التجارية وعدد السيارات الجديدة والفخمة، وعدد اجهزة النقال الحديثة والرخيصة، لا معنى لتغيير عن طريق رفع شعارات تحمل افكار عصرية وتوجهات طوباوية، التغيير لكي يحدث يحتاج إلى أن يساهم افراد المجنمع في جعله حقيقة وواقع، أن يشترك الجميع في خلق روح من الايجابية للعمل على الرفع من سلوكيات ومواقف هذا الشعب ومن ثم سيكون التغيير ممكناً. ما رأيته في يومي الأول هنا يدعو للتفاؤل، وهي أحدى عاداتي المملة التي لن اشفى منها على اية حال، ويدعو لتجاوز ما نراه من ركام المباني المهدمة والوعود البراقة لمشاريع جديدة وهو حديث الشارع اليومي في ليبيا منذ اشهر إلى تحديد ما يمكننا نحن القيام به من أجل تحقيق التغيير الذي ننشده من خلال السؤال الذي لا يبحث عن اجابة في الوقت الحاضر وهو “ما الذي تغير في ليبيا؟”.
_________

* الصورة المصاحبة هي من منطقة طريق المطار جنوب طرابلس حيث تحولت كل هذه الاراضي الزارعية إلى مشاريع لبناء المنازل الجديدة في آخر توسع للمدينة، في فترة لن تقل عن خمس سنوات ستتحول هذه المنطقة إلى حي سكني جديد.