لكل جيل ابطاله وايقوناته التي تمثل تكوينه النفسي والذهني، ولكل جيل فنانيه ومبدعيه، الذين يعبرون عن المرحلة التي عاشها ويعيشها هذا الجيل أو ذاك وإن صح المصطلح فيمكننا اعتبار أننا اصبحنا جيلاً بدأ يظهر على الساحة ليبني لنفسه مكاناً في خارطة هذا الزمن الذي نعيشه لربما يأتي جيل من بعدنا ليتأثر بنا في زمن آخر سيأتي.
وكما كان للجيل الذي سبقنا فنانيه الذين طبع ابداعهم على تجربتهم، كان لنا، الجيل الذي نمى في السبعينات وشب في الثمانينات وتكون في التسعينات ليقدم في آننا تجربته الجديدة، كان لنا مبدعينا وفنانينا، فكان لنا (مارسيل خليفة)، مارسيل الذي تشربت أغانيه وألحانه وابداعه اللامحدود وصدقه في تقديم الجديد والمعبر عن المرحلة التي عاشها بشغف العاشقين للموسيقى العالمية بشكل عام والعربية الشرقية بشكل خاص.

مارسيل الذي كلما اردت أن امنحني مزيداً من القوة على الاستمرار في هذا الشمال التجأت إلى رصيف ألحانه وعوده الذي لا يكف عن الكلام والصمت، الضحك والبكاء، الرغبة الجامحة للوصول..
وبعد سنوات طويلة من ملاحقة هذا الصوت الاسطوري، كان له أن يحط الرحال في هذا الشمال، وبالتحديد في مدينة ليفريول على الساحل الشمالي الغربي لانجلترا، ليقدم رفقة أبنيه (رامي) على البيانو و(بشار) على الايقاع الشرقي، وبمصاحبة الفرقة السمفونية لمدينة ليفربول، حفلة تنوعت بين الموسيقى العالمية الكلاسيكية والجاز الشرقي والموشحات الاندلسية وبالطبع أغانيه الخالدة (أمي)، (يا بحرية)، و(جواز السفر) وكذلك عمله الجديد والمهدى للشاعر محمود درويش بعنوان (تقاسيم).

عازف البيانو رامي خليفة
كنت قد علمت أن مارسيل سيحي حفلتين في مدينة ليفربول منذ العام الماضي، فبيت النية على حضورها بأي طريقة، وكان لي ذلك، ووجدت نفسي في الصف الثاني غير بعيد عن ركح المسرح الذي أقيم عليه الحفل الثاني يوم السبت 14 يوليو.

بدأ الحفل بمقطوعة سمفونية للفنان (رامي خليفة) على البيانو مع كامل اعضاء فرقة الاوركسترا السمفونية لمدينة ليفربول، ثم وبعد فاصل قصير كان دور الاب (مارسيل خليفة) ليعزف على العود مع الاوركسترا مقطوعة من ألبوم (كونشرتو الاندلس) جمع فيها بين الالحان الشرقية من الموشحات والموسيقى الكلاسيكية العالمية، وصفق لها الحضور الذي غص به المسرح.
النصف الثاني من الحفل قدم فيه مارسيل خليفة مجموعة من أغانيه القديمة والجديدة صاحبه فيها بتوزيع حديث أبنه الاكبر (رامي خليفة) على البيانو والاصغر (بشار خليفة) على الايقاع الشرقي بالاضافة للفنان (بيتر هربرت) على آله (دوبل باز) Double Bass. فكانت البداية مع موشح (امر باسمك) والذي اشترك الجمهور معه في ادائه. ثم قدم مقطع من ألبومه الحديث (تقاسيم) المهدى لصديقه الشاعر محمود درويش الذي ارتبط شعره بموسيقى مارسيل خليفة والعكس. ثم قدم ثلاث أغاني قديمة بتوزيع جديد هي (أمي)، (جواز سفر) و(يا بحرية) ليختتم الحفل بتصفيق الجمهور الذي استمر لخمس دقائق متواصلة.


كان لقاء مارسيل بعد ختام الحفل ليوقع على ألبوماته وللحديث مع محبيه الذين التفوا حوله، وكانت لي فرصة شكره على ما قدمه لنا كجيل باكمله من ابداع سيظل عالقاً بنا إلى الابد. ويبقى مارسيل رمزاً وايقونة تمنحنا أملاً وقوة لمواصلة المسير والمشي بقامة منتصبه، نحلم بالياسمين والشمس التي ستشرق على ايامنا القادمة..

مارسيل خليفة وأبنه
رامي

مارسيل شكراً لك..